درجات و مراتب
يقول الله تعالى ( وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ )
و يقول سبحانه و تعالى ( فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ )
من يقرأ هاتين الآيتين يعتقد للوهلة الأولى أنهما وردتا في سياقات مختلفة أو أنها قد وردتا في قصص مختلفة ، و لكن العجيب في الأمر أنهما وردتا في نفس السورة
في سورة الشعراء بل و في نفس سياق القصة بل إن العباد هم ذاتهم الأصحاب ؛ فما الذي صيرهم من عباد مكرمون بنسبتهم إلى الخالق إلى أصحاب للمخلوق ؟
و ما الذي حدى بهم للإنخفاض في مدارج التشريف و الإنتقال من المرتبة الأعلى إلى المرتبة الأدنى ؟ إنه اختلاف درجات الصدق الذي أدى إلى اختلاف المراتب.
في هذه السورة الكريمة المليئة بالقصص الباهرة وردت قصة نبينا موسى عليه السلام مع طاغية زمانه فرعون و قومه ، و هي قصة واضحة جلية من خلال تسلسل المشاهد التعبيرية ، فيشعر القارئ أنه يرى المشهد رأي العين و يستمتع بعجائبه فتستوقفه البطولة و الشجاعة التي كانت من بعض قوم فرعون و هم السحرة حين أذعنوا للحق اتباعاً للدليل الصريح الواضح فآمنوا برب العالمين دون انتظار للأذن من البشر و دون خوف من عواقب و نتائج ما قاموا به ، فقد أسلموا أمرهم إلى الله طمعاً فيما عنده و صدقاً في التوكل عليه ؛ فكان الجزاء و التشريف
و أتى الأمر الإلهي إلى موسى عليه السلام بقوله تعالى ( وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ ) فنسب الله عز و جل هؤلاء القوم خير إنتساب حيث نسبهم جل و علا إلى نفسه حين قال (بعبادي ) ، هذا هو المُـنى و غاية المنتهى أن ينسب المرء إلى خالقه مما يضفي عليه الآمان و الإطمئنان ، و ذلك مكافئة لهم على علو درجة صدقهم في توكلهم على الله و اعترافهم بأن الحول و القوة بيده وحده فكانت قلوبهم وجلة خائفة من الله و راجية ماعنده ؛ لكن تلك الحالة تبدلت و تغيرت عندما احتدم الأمر و اشتد الموقف و حلت المحن و المصائب و ذلك عندما تراءا الجمعان فدخل خوف المخلوق من المخلوق إلى القلوب و دخل الشك في نصرة الخالق لهم (فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ) فانخفضت درجة صدق التوكل على الله في تلك القلوب فكان الجزاء من جنس العمل ، إنه الجزاء المؤلم و المباشر حيث قال الله عز وجل عنهم ( أَصْحَابُ مُوسَى ) فنسبهم إلى المخلوق الضعيف موسى عليه السلام الذي كان يعلم حقيقة صدق التوكل و أنه هو الطريق الأمثل للنجاة و التشريف فقال موسى عليه السلام إعتراضاً على من قلت درجات صدق توكله ( كلا إن معي ربي سيهدين ) فكانت له الهداية و النصر و التشريف جزاء صدقه في كل أمره ، و من هنا يظهر لنا أثر الدرجات على المراتب ، فالمرء متى علا في درجاته فإنه يعلو في مراتبه في أي شأن من شؤون الدنيا و الآخرة ، و علو الدرجات يقودنا إلى إتقان الشيء و الإتيان به على أكمل وجه ، فالإتقان مطلب شرعي ديني و دنيوي ، و قد حرص الإنسان على الإتقان في أمور دنياه فاستحدث ما يسمى بنظام الجودة حرصاً منه على الإرتفاع في الدرجات لنيل أعلى المراتب ، فالجودة كما هي في قاموس إكسفورد تعني الدرجة العالية من النوعية أو القيمة ، و قبل أن نعرفها من قاموس إكسفورد فقد قال عنها النبي صلى الله عليه و سلم “إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه” ففي هذا الخطاب النبوي دعوة واضحة بينة إلى الجودة والإتقان والإبداع و الإحسان المؤدي إلى رفع الدرجات الذي سينسحب على المراتب ليعليها و يرفع من شأن صاحبها و هذا ما ينبغي على كل إنسان أن يحرص عليه و يسعى إليه .
المدربة نورة عبد الرحمن
فعلنا والله ما اجمل ان يتوكل المرءعلى ربه ويحن الظن به ويثق ويترك ما سوها
موضوع جميل.
جزاك الله خيرآ
جزاك الله خيرا.